رسالة اليوم

18/10/2023 - لا تخفْ من غضبِ العدوِّ

-

-

ثُمَّ أُوثِقَ هؤُلاَءِ الرِّجَالُ فِي سَرَاوِيلِهِمْ وَأَقْمِصَتِهِمْ وَأَرْدِيَتِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ وَأُلْقُوا فِي وَسَطِ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ. (دانيال21:3)


إنَّ حماقة الإنسان الشِّرير تجعله يعتقد أنَّه أفضل من الآخرين. كان نبوخذ نصَّر، ملك بابل، يفتخرُ بنفسهِ لدرجة أنّه صنع تمثال الذَّهب ونصبَه حتى يتمكَّن الجميع من عبادتهِ. عندما سمع أنَّ ثلاثة شبانٍ يهود رفضوا السُّجود والعبادة لتمثال الذَّهب، كما أمرَ، غضب نبوخذ نصَّر بشدَّة وحاول المساومة مع اليهود، على أملِ إقناعهم بتغيير رأيهم والقيام بعملٍ واحد بسيطٍ؛ إذا وافقوا، فلن يعاقبوا على تمرُّدهم.

قال شدرخ وميشخ وعبد نغو لنبوخذنصَّر إنّهم ليسوا بحاجة إلى إجابة الملك في هذا الأمر، وإذا كان الأمرُ كذلك، فإنَّ إلهَهم الذي خدموه قادرٌ على إنقاذهم من أتون النَّار المتَّقدة، ولن يفعلوا ذلك، لأنَّهم يخدمون إلهَهم ولا يعبدون التّمثال الذّهبي الذي أقامه. حينئذ امتلأ نبوخذنصر بالغضب، وتغيَّرَ وجهُه نحو شدرخ وميشخ وعبد نغو. تكلَّم وأمرَ أن يحموا أتون النَّار سبعَ مرَّات أكثر ممَّا يُحمى بالعادة (الآية 19). كانت معركة بين الشَّر وأبطال الله.

أمرَ نبوخذ نصَّر بعض جبابرة البأس الَّذين كانوا في جيشه بربط المتمرِّدين وإلقائهم في أتون النّار المشتعلة (الآية 20). لكنّ حتى هذا لم يدفع هؤلاء الشَّباب الثّلاثة إلى محاولة إنقاذ حياتهم؛ بالنّهاية، كانوا يؤمنون أنَّ الربّ قادرٌ على إنقاذهم. فرُبِطوا في معاطفهم وسراويلهم وسترهم وثيابهم الأخرى، وألقوا في وسط أتون النّار المتّقد. من جهة كان هناك ملك مملوءٌ بالغضب، وعلى الجانب الآخر كان هناك ثلاثة خدَّامٍ لله القدير. يا لها من صورةٍ جميلة!

لكنَّ الأحداث التي تلتْ ذلك كانت مفاجئة. ولأنَّ أمرَ الملك كان عاجلاً، والأتون شديد الحرارة، قتل لهيبُ النّار أولئك الجنود الذين ألقوا شدرخ وميشخ وعبد نغو. فسقط الشُّبان الثَّلاثة موثقين في وسط النّار. في تلك اللّحظة، عملَ الله معجزةً غير مسبوقة: بدلًا من أن يتأذوا، سارَ شدرخ وميشخ وعبد نغو في وسط النَّار التي لم يكن لها القدرة على حرقهم، ممَّا يدلُّ على تدخّل الله.

تعجَّبَ الملك نبوخذ نصَّر. فقام مسرعاً وتكلم قائلاً لمستشاريه: ألم نلقي ثلاثة رجال موثقين في وسط النَّار؟ فقالوا للملك عملنا كما أمرتَ. ومع ذلك، رأى نبوخذ نصَّر أربعة رجالٍ طليقين، يسيرون في وسَط النَّار، ولم يُصابوا بأذى. قال وهو يرتجف أن شكل الرَّابع يشبه ابن الآلهة. لكنَّه كان مخطئًا، لأنَّ ابن الله قرَّر البقاء مع خدَّامه (الآيات 24-25).

يا له من درسٍ هامّ تعلَّمَه الملكُ! حتى تحتَ التَّهديد بالذَّهاب إلى أتون النَّار المشتعلة، لم يخشَ خدّام الله ولم يتراجعوا. حقيقة الربِّ تختلف عمّا يقوله الإنسان أو الجَحيم. لو كانوا قد عبدوا التمثال الذَّهبي، لاحترقوا بنارٍ لا تُطفأ؛ ولكن لأنَّهم لم يستسلموا لم يكن لأتون الملك سُلطان عليهم. الثِّقة في الربّ تستحقُّ العناءَ فعلاً.

لا يستطيع خدَّام الله المساومة بشأنِ خلاصهم ليُنقذوا أنفسَهم. إذا كان علينا أن نموتَ من أجل إيماننا بالمُخلِّص، فسوف نقفُ بثباتٍ حتى النِّهاية. ولكن إذا لم يكن الحكمُ صادرًا عن الله، فلن يكون له تأثير علينا. إذا اختار أن نخدمه بطريقة تبدو قاسية للإنسان الطبيعي، فعلينا أن نسيرَ إلى الأمام، لأنَّه ينتظرنا على الجانب الآخر.

 

محبتي لكم في المسيح
د.ر.ر. سوارز